فصل: تفسير الآية رقم (110):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (110):

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}
{آمَنَ} {الكتاب} {الفاسقون}
(110)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ فِي الوُجُودِ، لأنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ إِيمَاناً صَادِقاً بِاللهِ، وَيَظْهَرُ أثَرُهُ فِي نُفُوسِهِمْ، فَيَنْزِعُهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَيَصْرِفُهُمْ إلَى الخَيْرِ، فَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرَاتِ وَمَا حَرَّمَ اللهُ مِنَ الظُّلْمِ وَالبَغْي.
وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتَابِ إِيمَاناً صَحِيحاً يَسْتَوْلي عَلَى النُّفُوسِ، وَيَمْلِكُ أَزِمَّةِ القُلُوبِ فَيَكُونُ مَصْدَرَ الفَضَائِلِ وَالأَخْلاقِ الحَسَنَةِ، كَمَا تُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ، أَيُّها المُسْلِمُونَ، لَكَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَهُمْ مِمَّا يَدَّعُونَهُ مِنْ إِيمَانٍ لا يَزَعُ النُّفُوسَ عَنِ الشُّرُورِ، وَلا يُبْعِدُهَا عَنِ الرَّذَائِلِ. وَبَيْنَ أهْلِ الكِتَابِ جَمَاعَةٌ مُؤْمِنُونَ مُخْلِصُونَ فِي إيمَانِهِمْ، وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ فَاسِقُونَ عَنْ دِينِهِمْ، مُتَمَرِّدُونَ فِي الكُفْرِ.
كُنْتُمْ- وُجِدْتُم وَخُلِقْتُمْ.
أُخْرِجَتْ- أُظْهِرَتْ.
الفُسُوقُ- الخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ.

.تفسير الآية رقم (111):

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}
{يُقَاتِلُوكُمْ}
(111)- لَنْ يَضُرَّ هَؤُلاءِ الفَاسِقُونَ، مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، المُؤْمِنِينَ ضَرَراً بَلِيغاً يُصِيبُ أَصْلَ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَلَنْ يُؤثِّرُوا فِي وُجُودِ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ فِي الأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَرَرُهُمْ عَرَضيّاً كَالإِيذَاءِ بِالهِجَاءِ القَبِيحِ، وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَإِلقَاءِ الشُّبُهَاتِ، وَتَحْرِيفِ النُّصُوصِ.. وَحِينَ يُرِيدُونَ قِتَالَ المُسْلِمِينَ، وَيَشْتَبِكُونَ مَعَهُمْ فِي الحَرْبِ، فَالهَزِيمَةُ مَكْتُوبَةُ عَلَيهمْ، وَالنَّصْرُ لِلْمُؤْمِنينَ فِي النِّهَايَةِ، وَلا نَاصِرَ لَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَبَأْسِ المُؤْمِنينَ.
يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ- يَنْهَزِمُونَ.
الأذَى- الإِيذَاءُ وَالضَّرَرُ العَارِضُ اليَسِيرُ.

.تفسير الآية رقم (112):

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}
{وَبَآءُوا} {بِآيَاتِ}
(112)- ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ وَألْزَمَهُمْ بِها، وَجَعَلَهَا لَهُمْ مَصِيراً أَيْنَمَا وُجِدُوا. وَلا يَعْصِمُهُمْ مِنْ بَأسِ المُسْلِمِينَ إِلا دُخُولُهُمْ فِي ذِمَّتِهِمْ، فَيَعْصِمُ ذَلِكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بِحَقِّهَا، أَيْ إنَّهُمْ لا تَعْصِمُهُمْ مِنْ بَأْسِ المُسْلِمِينَ إِلا ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ. وَرَجَعَ هَذَا الفَرِيقُ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، مِنْ عِدَائِهِمْ لِلإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ، يَحْمِلُونَ غَضَبَ اللهِ، وَيَسْتَوْجِبُونَ سَخَطَهُ. وَأَلْزَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالاسْتِكَانَةِ وَالخُضُوعِ لِغَيْرِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ عَصَوْا وَاعْتَدَوْا فِي دِينِهِ عَلَى الحُرُمَاتِ: فَقَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ، وَاعْتَدَوْا عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَقَتَلُوا الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَتَلُوا الذِينَ يَأْمُرُونَ بِالعَدْلِ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا مَا يَجْعَلُهُمْ أَهْلاً لِلْعَذابِ، وَلِمَا فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالمَسْكَنَةِ.
بَاءَ- حَمَلَ أَوْ لَبِثَ وَحَلَّ.
ثَقِفَ- وَجَدَ وَأَدْرَكَ.
المَسْكَنَةُ- فقُر النَّفْسِ وَشُحُّهَا.
حَبْلٌ مِنَ اللهِ- عَهْدٌ مِنَ اللهِ وَهُوَ الإِسْلامُ.
ضُرِبَتْ عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ- فُرِضَتْ عَلَيهِمْ وَألْزِمُوا بِهَا.

.تفسير الآية رقم (113):

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)}
{الكتاب} {قَآئِمَةٌ} {آيَاتِ} {الليل}
(113)- وَيَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالَى بَعْضَ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ الكُفْرِ وَالعِصْيَانِ، فَيَقُولُ: إنَّ مِنْهُمْ جَمَاعَةً مُهْتَدِيةً، آمَنُوا إيمَاناً صَادِقاً، وَأقَامُوا عَلَى أمْرِ اللهِ لَمْ يَنْزَعُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُ، وَانْضَمُّوا إلى الصَّفِّ المُسْلِمِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَيَسْجُدُونَ للهِ.
(وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ المُرَادَ بِهَذِهِ الأمَّةِ جَمَاعَةٌ مِنَ اليَهُودِ أَسْلَمُوا كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاّمٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ سَعِيدٍ).
لَيْسُوا سَواءً- لَيْسُوا مُتَسَاوِينَ.
قَائِمَةٌ- مُسْتَقِيمَةٌ عَادِلَةٌ.

.تفسير الآية رقم (114):

{يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}
{وَيُسَارِعُونَ} {الخيرات} {وأولئك} {الصالحين}
(114)- وَقَدْ آمَنُوا بِاللهِ، وَبِالَيْومِ الآخِرِ، إيمَاناً صَادِقاً، وَنَهَضُوا بِتَكَالِيفِ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ، فَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَنَهُوا عَنِ المُنْكَرِ، وَعَمِلُوا الخَيْرَ، فَجَعَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الصَّالِحِينَ، وَشَهِدَ لَهُمْ بِهَذَا الصَّلاحِ.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
(115)- وَجَمِيع مَا يَفْعَلُونَهُ، مِنَ الخَيْرِ وَالطَّاعَاتِ، فَلَنْ يُحْرَمُوا ثَوَابَهُ، وَسَيَجْزِيهِمُ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَنْ يَنْقُصَهُمْ مِنْهُ شَيئاً، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ.
لَنْ يُكْفَرُوهُ- لَنْ يُحْرَمُوا ثَوَابَهُ.

.تفسير الآية رقم (116):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)}
{أَمْوَالُهُمْ} {أَوْلادُهُمْ} {وأولئك} {أَصْحَابُ} {خَالِدُونَ}
(116)- الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الكُفَّارِ، الذِينَ كَانُوا يُعَيِّرونَ مُحَمَّداً وَصَحْبَهُ بِالفَقْرِ، وَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَى الحَقِّ لَمَا تَرَكَهُ رَبُّهُ فِي هَذا الفَقْرِ، وَيَتَفَاخَرُونَ بِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ لَنْ تَنْفَعَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ شَيئاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَنْ يَمْنَعَهُمْ شَيءٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ. وَهَؤُلاءِ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يَبْقَوْنَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً.
لَنْ تُغْنِيَ- لَنْ تَجْزِيَ وَلَنْ تَنْفَعَ.

.تفسير الآية رقم (117):

{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
{الحياة}
(117)- وَالكَافِرُونَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا، فِي الصَّدَقَاتِ وَالقُرُبَاتِ، وَفِي اكْتِسَابِ الشُّهْرَةِ وَالثَّنَاءِ... وَلَكِنَّ هَذا الإِنْفَاقَ ضَائِعٌ، وَلَنِ يَنْتَفِعُوا مِنْهُ فِي الآخِرَةِ شَيْئاً. وَقَدْ شَبَّهَ اللهُ تَعَالَى حَالَهُم هَذا بِحَالِ زَرْع قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالكُفْرِ وَالمَعَاصِي، أصَابَتْهُ رِيحٌ فِيها بَرْدٌ شَدِيدٌ فَأهْلَكَتْهُ عُقُوبةً لَهُمْ. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ بِضَيَاعِ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالكفْرِ وَالبَغْيِ، وَارْتِكَابِ المَعَاصِي.
فِيها صِرٌّ- بَرْدٌ شَدِيدٌ (أَوْ سُمُومٌ حَارَّةٌ).

.تفسير الآية رقم (118):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)}
{ياأيها} {آمَنُواْ} {أَفْوَاهِهِمْ} {الآيَاتِ}
(118)- يَنْهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخَاذِ الكُفَّارِ وَاليَهُودِ وَالمُنَافِقِينَ بِطَانَةً وَخَوَاصَّ لَهُمْ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ، يُطْلِعُونَهُمْ عَلَى سِرِّهِمْ، وَمَا يُضْمِرُونَ لأعْدَائِهِمْ. لأنَّ هَؤُلاءِ لا يَألُونَ جُهْداً، وَلا يَتَأَخَّرُونَ عَنْ عَمَلٍ فِيهِ إِيْذَاءٌ وَإِضْرَارٌ بِالمُؤْمِنِينَ، فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ وُقُوعَ المُؤْمِنينَ فِي الضِّيقِ وَالمَشَقَّةِ. وَلَقَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ وَالعَدَاوَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بِمَا يَظْهَرُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ كَلِمَاتِ الحِقْدِ، وَصُدُورُهُمْ تُخْفِي حِقْداً أَكْبَرَ، وَبُغْضاً أَعْظَمَ للإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَهُوَ أمْرٌ لا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى الدَّلالاتِ الوَاضِحَةَ التِي يُعْرَفُ يِهَا الوَلِيُّ مِنَ العّدُوِّ.
بِطَانَةُ الرَّجُلِ- خَاصَّتُهُ.
مِنْ دُونِكُمْ- مِنْ غَيْرِكُمْ.
لا يَأْلُونَكُمْ- لا يُقَصِّرُونَ.
مَا عَنِتُّمْ- مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ.
الخَبَالُ- النُّقْصَانُ.

.تفسير الآية رقم (119):

{هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}
{هَآأَنْتُمْ} {بالكتاب} {آمَنَّا}
(119)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ: إِنَّكُمْ تُحِبُّونَ هَؤُلاءِ الكُفَّارِ الذِينَ هُمْ أشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَكُمْ، وَلا يُقَصِّرُونَ فِي إفْسَادِ أَمْرِكُمْ، وَتَمَنَّي عَنَتِكُمْ. وَيُظْهِرُونَ لَكُمُ العَدَاوَةَ وَالغِشَّ، وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ رَيْبَ المَنُونِ، فَكَيْفَ تُوادُّونَهُمْ وَتُواصِلُونَهُمْ، وَهُمْ لا يُحِبُّونَكُمْ لا ظَاهِراً وَلا بَاطِناً، وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ الذِي أنْزِلَ عَلَيْكُمْ، وَبِالكُتُبِ التِي أُنْزِلَتْ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ لَدَيْكُمْ شَيءٌ مِنَ الشَّكِّ فِي شَيءٍ مِنْهَا، وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ شَكٌّ وَحَيرَةٌ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِبُغْضِهِمْ مِنْهُمْ لَكُمْ، فَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا: آمَنَّا إِرْضَاءً لَكُمْ، وَحَذَراً مِنْهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ مِنْكُمْ. وَإِذَا فَارَقُوكُمْ، وَاخْتَلَوا بِأَنْفُسِهِمْ، عَضُّوا عَلَيْكُمْ أَطْرَافَ أصَابِعِهِمْ مِنْ غَيْظِهِمْ مِنْكُمْ، فَقُلْ لَهُمْ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ فَلَنْ يَضُرَّنَا ذَلِكَ شَيئاً، وَاللهُ مُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَاللهُ هُوَ الذِي يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ مِنَ البَغْضَاءِ وَالحَسَدِ وَالغِلِّ لِلْمُؤْمِنينَ.
البَغْضَاءُ- شِدَّةُ البُغْضِ.
عَضُّوا عَلَيكُمُ الأَنَامِلَ- كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الغَيْظِ.
خَلَوْا- مَضَوا وانْفَرَدَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.

.تفسير الآية رقم (120):

{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
(120)- وَلِشِدَّةِ عَدَاوَةِ هَؤُلاءِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَسُوؤُهُمْ مَا يُصِيبُ المُؤْمِنينَ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ- نَصْرٌ أَوْ رِبْحٌ أَوْ خَصْبٌ- كَمَا يَسُرُّهُمْ مَا يَنْزِلُ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ بَلاءٍ وَسُوْءٍ وَهَزِيْمَةٍ. وَيَنْصَحُ اللهُ المؤْمِنِينَ بِالتَّحَلِّي بالصَّبْر والتَّقْوى، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ لِلنَّجَاةِ مِنْ كَيْدِهِمْ وَأَذَاهُمْ، لأنَّهُ مُحِيطٌ بِما يَعْمَلُونَ، وَكُلُّ شَيءٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقَدَرِهِ.
تَمْسَسْكُمْ- تُصِيبُكُمْ.

.تفسير الآية رقم (121):

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}
{مَقَاعِدَ}
(121)- وَهُنَا يَتَحَدَّثُ اللهُ تَعَالَى عَنْ مَعْرَكَةِ أحُدٍ حِينَما خَرَجَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُبَكِّراً مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ لِحَرْبِ قُرَيشٍ، وَإنْزَالِهِ الصَّحَابَةَ فِي مَرَاكِزِ القِتَالِ. فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إلى مَكَانِ المَعْرَكَةِ نَزَلَ بِأَصْحَابِهِ فِي الشِّعْبِ مِنْ أحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الوَادِي، وَجَعَلَ ظَهْرَ عَسْكَرِهِ إلى أحُدٍ، وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ لا يُقَاتِلَنَّ أحَدٌ حَتَّى نَأمُرَهُ. وَأقَامَ خِمْسِينَ رَامياً، عَلَيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبِيْرٍ، عَلَى تَلٍّ، وَأمَرَهُمْ بِأنْ يَنْضَحُوا الخَيْلَ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَأنْ لا يَتْرُكُوا مَكَانَهُمْ أَبَداً، حَتَّى وَلَوْ دَارَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى المُسْلِمِينَ.
غَدَا يَغْدُو- أنْطَلَقَ فِي الغَدَاةِ- مَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
تُبَوِّئُ- تُهَيِّئُ، وَتُنْزِلُ.